تحاول هذه الورقة البحثية إلقاء الضوء على أحد أعمدة الأدَب في جانبه الشَّعْبِي؛ ممثلاً في "الأَمْثَال الشَّعْبِية التُّراثيّة" التي تؤلف الجزء الأهم من هذا الأدَب، انطلاقاً من وضعها مع الأَطْفَال "كيف ينشأون معها، وكيف تحيا على ألسنتهم"؛ على افتراض أن الأَطْفَال أهم مدخلات الثقافة وعنصر تعزيز تنميتها المستدامة؛ باعتبارها شريك فعال في عملية تأطير جيل الغد وتوجيهه إلى القيم الإنسانية السامية والضاربة بجذورها في أعماق التاريخ؛ فإذا أردنا أن نكون معاصرين علينا أن نكون تراثيين، وعلى هذا فلا إبداع بغير تُّراث، ولا هوية بغير تُّراث؛ إذ يكون التُّراث بمثابة المرتكز الذي يسمح للإنسان أن يستجمع قواه ليمتد في المستقبل.
إن المشكلة الأساسية ليست في قلة هذا التُّراث أو كثرته، أو ماذا فيه؛ وإنما في وجهة النظر التي نتعامل بها في مع هذا التُّراث، وفي المنهج الذي نعرض به هذا التُّراث؛ فالأمر لا يتوقف عند حدود الاستدعاء الحرفي للنص التُّراثي وحسب؛ بل لابد أن يكشف التُّراث عن الواقع المعيش فيما يلتقي معه من جوانب قد تشبهه، ويصبح تجلي الموقف التُّراثي كاشفاً عن الماضي بما فيه من إيجابيات، والحاضر بما فيه من سلبيات في الوقت نفسه، ومرهصاً بالتغيير المستقبلي المرجو أيضاً، كما تتجلى القيم التي تُرجى من وراء ذلك ويُراد غرسها في الأطفال وتقريبها إليهم.
ويتقاطع الموروث الشَّعْبِي مع أدب الأطفال من جوانب عديدة، وربما كان ما يتمتع به جانب من هذا التُّراث من توفر عنصر الحكاية والدرامية "أي الحركة المُجسدة للفعل" من العوامل التي تدفع المُهتمين والمتخصصين في مجال فنون مَسرَح الطِفْل إلى استثمار هذا التُّراث وتوسيع دائرة نشاطه وفعالياته في ميدان أدب الأطفال؛ كشكل مَسرَحي وتطويره وعصرنته في المَسرَح المِصريِ المُعاصِر، وتوظيفه بأسلوبيّة فنية لإخراجه إلى حيز الوجود وإعطائه شكله الكامل والناضج؛ وحتى يستطيع الطِفْل إدراكه وتذوقه وبالتالي الحفاظ عليه، وهذا ما استهدفته هذه الورقة؛ بغية الإسهام في دراسة أفضل الأساليب لديمومة هذا التُّراث وتوظيفه التوظيف السليم ضمن سلسلة الإبداع المَسرَحي؛ حتى يستنير به الطِفْل في حاضره ويهتدي به في المستقبل، أملاً في أن يُكتب له الحضور والشرعية والمكانة الثقافية اللائقة، وأن يتيسر للأجيال الطالعة مهمة الاتصال به والتواصل الدائم معه.